أمين
فيديو خيرت الشاطر ( لن ننساكم )
تكامل العقل والنقل في الإسلام
من الشبهات التي يثيرها خصوم الإسلام في الداخل والخارج التناقض المزعوم بين “العقل” و”النقل” والادعاء بأن الإسلام لا يحترم العقل وأن الثقافة الإسلامية ثقافة نقلية لا عقلية وأن جميع علماء المسلمين من دون استثناء غير مؤهلين لأنهم اعتمدوا على النقل وليس التفكير، ويطالب هؤلاء بإخضاع كل أمور الدين للعقل وإلغاء كل الأساسيات الموجودة التي تعتبرها الأمة من المسلمات، والبحث من جديد عن الحقيقة معتمدين على العقل فقط.
ويفند المفكر الإسلامي الدكتور محمد عمارة هذه الشبهات ويرد بأسلوب علمي مقنع على هذه الإشكاليات التي يرددها المستشرقون من الغرب وخدعوا بها كثيرا من المثقفين من عالمنا العربي والإسلامي. ويقول: للأسف هذا الكلام الساذج يردده نفر غير قليل من المثقفين في بلادنا العربية والإسلامية مع أنهم لو قرأوا القرآن الكريم مجرد قراءة عابرة، ولو اطلعوا على كتاب واحد من كتب الأحاديث النبوية الشريفة لأدركوا أن الإسلام بلغ درجة عالية من التفوق والتميز في احترام عقل الإنسان، فمقام العقل في الإسلام مكان عال وفريد ولا نظير له في الشرائع السابقة على الشريعة الإسلامية الخاتمة، إذ إن العقل في الإسلام هو مناط التكليف بكل فرائض وأحكام الإسلام، أي أنه شرط التدين بدين الإسلام.
معجزة عقلية
ويوضح الدكتور عمارة أن النقل الإسلامي والمتمثل في المعجزة القرآنية الخالدة هو في حقيقة الأمر معجزة عقلية ارتضت العقل حكماً في فهمها، وفي التصديق بها، وفي التمييز بين المحكم والمتشابه من آياتها، وأيضاً في تفسير هذه الآيات، فليس للقرآن الكريم كهنوت يحتكر تفسيره، وإنما هو ثمرة لنظر عقول العلماء المفسرين، وعلى حين كانت معجزات الرسالات السابقة معجزات مادية تدهش العقول فتشلها عن التفكير والتعقل جاءت معجزة الإسلام الأولى وهي القرآن الكريم معجزة عقلية، تستنفر العقل كي يتعقل ويتفكر ويتدبر وتحتكم إليه باعتباره القاضي في تفسير آياتها، فكان النقل الإسلامي سبيلا لتنمية العقلانية الإسلامية، وكان هذا التطور من طبيعة المعجزة متناسباً ومتسقاً مع مرحلة النضج التي بلغتها الإنسانية.
فالعقل في الإسلام كما يؤكد مفكرنا الكبير هو سبيل الإيمان بوجود الله ووحدانيته وصفاته، لأن الإيمان بالله سابق على التصديق بالرسول وبالكتاب الذي جاء به الرسول، لأنه شرط لهما، ومقدم عليهما، فالتصديق بالكتاب النقل متوقف على صدق الرسول الذي أتى به، والتصديق بالرسول متوقف على وجود الإله الذي أرسل هذا الرسول وأوحى إليه، والعقل هو سبيل الإيمان بوجود الله سبحانه وتعالى، وذلك عن طريق تأمل وتدبر بديع نظام وانتظام المصنوعات الشاهدة على وجود الصانع المبدع لنظام وانتظام هذه المصنوعات، فالعقل في الإسلام هو أداة الإيمان بجوهر الدين (الإلوهية) وذلك على حين كان العقل غريباً ومستبعداً من سبل الإيمان في حقب الرسالات السابقة على الإسلام، حقب المعجزات المدهشة للعقول، عندما كانت الإنسانية في مراحل الطفولة “خرافا ضالة” تؤمن بما يلقى إلى قلبها من دون إعمال عقل، لأن الإيمان كما قال القديس والفيلسوف النصراني “انسيلم” لا يحتاج إلى إعمال عقل.
ثنائية لا يعرفها الإسلام
ويشير الدكتور عمارة إلى خرافة المقابلة بين العقل والنقل في ثقافتنا الإسلامية وجعل العقل مضاداً أو مواجهاً للنقل. ويقول: إن المقابلة بين “العقل” و”النقل” هي في حقيقة الأمر أثر من آثار الثنائيات المتناقضة التي تميزت بها المسيرة الفكرية للحضارة الغربية، حيث جاءت عقلانيتها في عصر النهضة والتنوير الوضعي العلماني ثورة على النقل اللاعقلاني ونقضاً له.
أما في الإسلام والمسيرة الفكرية لحضارته، وأمته وخاصة في عصر الازدهار والإبداع فإن النقل لم يكن أبدا مقابلا للعقل، لأن المقابل للعقل هو الجنون وليس النقل، ولأن النقل الإسلامي والمتمثل أساساً في القرآن الكريم هو مصدر العقلانية المؤمنة والباعث عليها، والداعي لاستخدام العقل والتفكر والتدبر في آيات الله المنظورة والمستورة جميعاً.
معان قرآنية
وآيات القرآن التي تحض على العقل والتعقل تبلغ 49 آية، أما الآيات التي تتحدث عن “اللُّب” بمعنى عقل وجوهر الإنسان فهي 16 آية. كما يتحدث القرآن عن “النهى” بمعنى العقل في آيتين، وعن الفكر والتفكر في 18 آية، ويذكر الفقه والتفقه بمعنى العقل والتعقل في 20 موضعاً في القرآن ويأتي العقل بمعنى التدبر في أربع آيات، وبمعنى الاعتبار في سبع آيات، أما الآيات التي تحض على الحكمة فهي 19 آية. ويذكر القلب كأداة للفقه والعقل في 132 موضعا، ناهيك عن آيات العلم والتعلم والعلماء التي تبلغ في القرآن أكثر من 800 آية.. وبهذا يتضح لكل مَنْ له عقل أن النقل الإسلامي وهو الشرع الإلهي هو الداعي للتعقل والتدبر والتفقه والتعلم، والعقل الإنساني هو أداة فقه الشرع، وشرط ومناط التدين بهذا الشرع الإلهي ولذلك لا أثر للشرع من دون العقل، كما انه لا غنى للعقل عن الشرع وخاصة فيما لا يستقل العقل بإدراكه من أمور الغيب وأحكام الدين، ذلك أن العقل مهما بلغ من العظمة والتألق في الحكمة والإبداع هو ملكة من ملكات الإنسان، وكل ملكات الإنسان بالخبرة التاريخية والمعاصرة هي نسبة الإدراك والقدرات تجهل اليوم ما تعلمه غدا، وما يقصر عنه عقل الواحد يبلغه عقل الآخر..
الهدايات الأربع
وإذا كانت ميادين عالم الشهادة الكون بكل ما فيه ومَنْ فيه مفتوحة على مصارعيها أمام العقل وأمام التجربة بالنسبة للإنسان، فإن هناك ميادين، وخاصة في معارف عالم الغيب، سبيل معرفتها النقل أي الوحي فالهدايات التي يهتدي بها الإنسان هي “العقل” و”النقل” و”التجربة” و”الوجدان” وليست العقل وحده دون سواه، وبتنوع الهدايات وسبل المعرفة الإنسانية مع تنوع مصادر المعرفة الإنسانية الوحي وآيات الله المستورة مع الكون وآيات الله المنظورة تتكامل وتتوازن المعرفة الإنسانية.
وينتهي الدكتور عمارة إلى أن الإسلام لا يعرف على الإطلاق هذه الثنائية المتناقضة بين العقل والنقل، ويقول: صريح المعقول لا يمكن أن يتعارض مع صحيح المنقول، وعلى الذين يرددون مثل هذه المغالطات والشبهات أن يستعيدوا عقولهم التي سلموها لخصوم الإسلام في الغرب وأصبحوا أبواقاً لهم في بلادنا الإسلامية.
د. محمد عمارة
منقول من جريدة الخليج
هناك تعليق واحد:
تحليل جميل واجابة شافية جزى الله الاستاذ الدكتور محمد عمارةخير الجزاء واياك تاأخي ونأمل ان نري الكثير ان شاء الله ، وفقك الله لخدمة الاسلام والمسلمين .
من قارئ صديق / أبو عمرو
إرسال تعليق