السبت، 10 يوليو 2010

معا سنغير إنشاء الله









معاً سنغير
تعيش مصر مرحلةً هامة ودقيقة في تاريخها، تتطلب تحالف كل القوى الفاعلة في المجتمع؛ لتخليص الوطن من أزماته التي خلَّفها الفساد المتغلغل في كل القطاعات، والذي يجد في استمرار الطوارئ والتعذيب والتزوير بيئةً خصبةً للانتشار؛ وهو ما دفع بمصر لخطوات كثيرة للخلف، حتى تراجع دورها علي المستوي الإقليمي والدولي، وأصبحت غير مؤثرة في كثير من القضايا التي تمثل لنا أمنًا قوميًّا، كما هو الحال في القضية الفلسطينية والأزمة العراقية، بل وحتى حماية مياه نهر النيل.
وعلى الصعيد الداخلي تزداد الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية والسياسية سوءًا يومًا بعد يوم؛ نتيجة تغول السلطة التنفيذية المدعومة بالقوة الأمنية على غيرها من السلطات، واعتبر النظام الحاكم نفسه مالكا لشعب مصر ومقدراته.

هذه الأوضاع مجتمعة تتطلب من الشعب المصري - الرافض للاستبداد، والذي ضرب عبر تاريخه نماذج رائعة في مواجهة الظلم والفساد - المشاركة وتبني مطالب القوى السياسية التي تنادي بها جماعة الإخوان المسلمين ، والجمعية الوطنية للتغيير والدكتور محمد البرادعي والقوى المخلصة؛ وذلك من خلال التوقيع على المطالب السبعة التي اتفقت عليها كل هذه القوى .



مطالب التغيير السبعة

ندعوكم إلى التوقيع على بيان المطالب السبعة التي توَافَق عليها الإخوان المسلمون مع الجمعية الوطنية للتغيير، وباقي القوى الوطنية، والدكتور محمد البرادعي:

1- إنهاء حالة الطوارئ.

2- تمكين القضاء المصري من الإشراف الكامل على العملية الانتخابية برمتها.

3- الرقابة على الانتخابات من قِبل منظمات المجتمع المدني المحلي والدولي.

4- توفير فرص متكافئة في وسائل الإعلام لجميع المرشحين، وخاصة في الانتخابات الرئاسية.

5- تمكين المصريين في الخارج من ممارسة حقهم في التصويت بالسفارات والقنصليات المصرية.

6- كفالة حق الترشح في الانتخابات الرئاسية دون قيود تعسفية؛ اتساقًا مع التزامات مصر طبقًا للاتفاقية الدولية للحقوق السياسية والمدنية، وقصر حق الترشح للرئاسة على فترتين.

7- الانتخابات عن طريق الرقم القومي، ويستلزم تحقيق بعض تلك الإجراءات والضمانات تعديل المواد 76 و77 و88 من الدستور في أقرب وقت ممكن.

لذا ندعوكم للتوقيع علي هذه المطالب السبعة التي هي مطلب شعبي وجماهيري.

والله ولي التوفيق ؛ 
أخوكم أمين بدر


الاثنين، 5 يوليو 2010

تكامل العقل والنقل في الإسلام

أمين


فيديو خيرت الشاطر ( لن ننساكم )

تكامل العقل والنقل في الإسلام

من الشبهات التي يثيرها خصوم الإسلام في الداخل والخارج التناقض المزعوم بين “العقل” و”النقل” والادعاء بأن الإسلام لا يحترم العقل وأن الثقافة الإسلامية ثقافة نقلية لا عقلية وأن جميع علماء المسلمين من دون استثناء غير مؤهلين لأنهم اعتمدوا على النقل وليس التفكير، ويطالب هؤلاء بإخضاع كل أمور الدين للعقل وإلغاء كل الأساسيات الموجودة التي تعتبرها الأمة من المسلمات، والبحث من جديد عن الحقيقة معتمدين على العقل فقط.

ويفند المفكر الإسلامي الدكتور محمد عمارة هذه الشبهات ويرد بأسلوب علمي مقنع على هذه الإشكاليات التي يرددها المستشرقون من الغرب وخدعوا بها كثيرا من المثقفين من عالمنا العربي والإسلامي. ويقول: للأسف هذا الكلام الساذج يردده نفر غير قليل من المثقفين في بلادنا العربية والإسلامية مع أنهم لو قرأوا القرآن الكريم مجرد قراءة عابرة، ولو اطلعوا على كتاب واحد من كتب الأحاديث النبوية الشريفة لأدركوا أن الإسلام بلغ درجة عالية من التفوق والتميز في احترام عقل الإنسان، فمقام العقل في الإسلام مكان عال وفريد ولا نظير له في الشرائع السابقة على الشريعة الإسلامية الخاتمة، إذ إن العقل في الإسلام هو مناط التكليف بكل فرائض وأحكام الإسلام، أي أنه شرط التدين بدين الإسلام.

معجزة عقلية
ويوضح الدكتور عمارة أن النقل الإسلامي والمتمثل في المعجزة القرآنية الخالدة هو في حقيقة الأمر معجزة عقلية ارتضت العقل حكماً في فهمها، وفي التصديق بها، وفي التمييز بين المحكم والمتشابه من آياتها، وأيضاً في تفسير هذه الآيات، فليس للقرآن الكريم كهنوت يحتكر تفسيره، وإنما هو ثمرة لنظر عقول العلماء المفسرين، وعلى حين كانت معجزات الرسالات السابقة معجزات مادية تدهش العقول فتشلها عن التفكير والتعقل جاءت معجزة الإسلام الأولى وهي القرآن الكريم معجزة عقلية، تستنفر العقل كي يتعقل ويتفكر ويتدبر وتحتكم إليه باعتباره القاضي في تفسير آياتها، فكان النقل الإسلامي سبيلا لتنمية العقلانية الإسلامية، وكان هذا التطور من طبيعة المعجزة متناسباً ومتسقاً مع مرحلة النضج التي بلغتها الإنسانية.
فالعقل في الإسلام كما يؤكد مفكرنا الكبير هو سبيل الإيمان بوجود الله ووحدانيته وصفاته، لأن الإيمان بالله سابق على التصديق بالرسول وبالكتاب الذي جاء به الرسول، لأنه شرط لهما، ومقدم عليهما، فالتصديق بالكتاب النقل متوقف على صدق الرسول الذي أتى به، والتصديق بالرسول متوقف على وجود الإله الذي أرسل هذا الرسول وأوحى إليه، والعقل هو سبيل الإيمان بوجود الله سبحانه وتعالى، وذلك عن طريق تأمل وتدبر بديع نظام وانتظام المصنوعات الشاهدة على وجود الصانع المبدع لنظام وانتظام هذه المصنوعات، فالعقل في الإسلام هو أداة الإيمان بجوهر الدين (الإلوهية) وذلك على حين كان العقل غريباً ومستبعداً من سبل الإيمان في حقب الرسالات السابقة على الإسلام، حقب المعجزات المدهشة للعقول، عندما كانت الإنسانية في مراحل الطفولة “خرافا ضالة” تؤمن بما يلقى إلى قلبها من دون إعمال عقل، لأن الإيمان كما قال القديس والفيلسوف النصراني “انسيلم” لا يحتاج إلى إعمال عقل.

ثنائية لا يعرفها الإسلام
ويشير الدكتور عمارة إلى خرافة المقابلة بين العقل والنقل في ثقافتنا الإسلامية وجعل العقل مضاداً أو مواجهاً للنقل. ويقول: إن المقابلة بين “العقل” و”النقل” هي في حقيقة الأمر أثر من آثار الثنائيات المتناقضة التي تميزت بها المسيرة الفكرية للحضارة الغربية، حيث جاءت عقلانيتها في عصر النهضة والتنوير الوضعي العلماني ثورة على النقل اللاعقلاني ونقضاً له.

أما في الإسلام والمسيرة الفكرية لحضارته، وأمته وخاصة في عصر الازدهار والإبداع فإن النقل لم يكن أبدا مقابلا للعقل، لأن المقابل للعقل هو الجنون وليس النقل، ولأن النقل الإسلامي والمتمثل أساساً في القرآن الكريم هو مصدر العقلانية المؤمنة والباعث عليها، والداعي لاستخدام العقل والتفكر والتدبر في آيات الله المنظورة والمستورة جميعاً.

معان قرآنية
وآيات القرآن التي تحض على العقل والتعقل تبلغ 49 آية، أما الآيات التي تتحدث عن “اللُّب” بمعنى عقل وجوهر الإنسان فهي 16 آية. كما يتحدث القرآن عن “النهى” بمعنى العقل في آيتين، وعن الفكر والتفكر في 18 آية، ويذكر الفقه والتفقه بمعنى العقل والتعقل في 20 موضعاً في القرآن ويأتي العقل بمعنى التدبر في أربع آيات، وبمعنى الاعتبار في سبع آيات، أما الآيات التي تحض على الحكمة فهي 19 آية. ويذكر القلب كأداة للفقه والعقل في 132 موضعا، ناهيك عن آيات العلم والتعلم والعلماء التي تبلغ في القرآن أكثر من 800 آية.. وبهذا يتضح لكل مَنْ له عقل أن النقل الإسلامي وهو الشرع الإلهي هو الداعي للتعقل والتدبر والتفقه والتعلم، والعقل الإنساني هو أداة فقه الشرع، وشرط ومناط التدين بهذا الشرع الإلهي ولذلك لا أثر للشرع من دون العقل، كما انه لا غنى للعقل عن الشرع وخاصة فيما لا يستقل العقل بإدراكه من أمور الغيب وأحكام الدين، ذلك أن العقل مهما بلغ من العظمة والتألق في الحكمة والإبداع هو ملكة من ملكات الإنسان، وكل ملكات الإنسان بالخبرة التاريخية والمعاصرة هي نسبة الإدراك والقدرات تجهل اليوم ما تعلمه غدا، وما يقصر عنه عقل الواحد يبلغه عقل الآخر..

الهدايات الأربع
وإذا كانت ميادين عالم الشهادة الكون بكل ما فيه ومَنْ فيه مفتوحة على مصارعيها أمام العقل وأمام التجربة بالنسبة للإنسان، فإن هناك ميادين، وخاصة في معارف عالم الغيب، سبيل معرفتها النقل أي الوحي فالهدايات التي يهتدي بها الإنسان هي “العقل” و”النقل” و”التجربة” و”الوجدان” وليست العقل وحده دون سواه، وبتنوع الهدايات وسبل المعرفة الإنسانية مع تنوع مصادر المعرفة الإنسانية الوحي وآيات الله المستورة مع الكون وآيات الله المنظورة تتكامل وتتوازن المعرفة الإنسانية.

وينتهي الدكتور عمارة إلى أن الإسلام لا يعرف على الإطلاق هذه الثنائية المتناقضة بين العقل والنقل، ويقول: صريح المعقول لا يمكن أن يتعارض مع صحيح المنقول، وعلى الذين يرددون مثل هذه المغالطات والشبهات أن يستعيدوا عقولهم التي سلموها لخصوم الإسلام في الغرب وأصبحوا أبواقاً لهم في بلادنا الإسلامية.

د. محمد عمارة
منقول من جريدة الخليج



الجمعة، 2 يوليو 2010

هل الأصالة والمعاصرة إزدواج مفروض أم اختيار


الأصالة / المعاصرة .. ازدواجية مفروضة أم اختيار؟
هذا الموضوع اريد أن اتحدث فيه ولكني قرأت هذه المقالة للأستاذ /  محمد عابد الجابري وأعجبتني فأردت أن انشرها في المدونة حتي يستفيد منها الجميع .
أخوكم / أمين بدر ت  0102086181
الأصالة / المعاصرة .. ازدواجية مفروضة أم اختيار؟ 
كثيراً ما تطرح إشكالية الأصالة والمعاصرة ، في الفكر العربي الحديث **

** المعاصر، على أنها مشكل الاختيار بين النموذج الغربي في السياسة والاقتصاد والثقافة.. الخ وبين "التراث" بوصفه يقدم، أو بإمكانه أن يقدم، نموذجاً بديلاً، و"أصيلاً" يغطي جميع ميادين الحياة المعاصرة. ومن هنا تصنف المواقف إزاء هذا "الاختيار" إلى ثلاثة رئيسية:
* مواقف "عصرا نية" تدعو إلى تبني النموذج الغربي المعاصر بوصفه نموذجاً للعصر كله، أي النموذج الذي يفرض نفسه تاريخياً كصيغة حضارية للحاضر والمستقبل.
* ومواقف "سلفية" تدعو إلى استعادة النموذج العربي الإسلامي كما كان قبل "الانحراف" و"الانحطاط"، أو على الأقل: الارتكاز عليه لتشييد نموذج عربي إسلامي أصيل يحاكي النموذج القديم في ذات الوقت الذي يقدم فيه حلوله "الخاصة" لمستجدات العصر.
* ومواقف "انتقائية" تدعو إلى الأخذ بـ"أحسن" ما في النموذجين معاً والتوفيق بينهما في صيغة واحدة تتوافر لها الأصالة والمعاصرة معاً .

وواضح أن الأمر يتعلق لا بثلاثة مواقف تفصل بينها حدود واضحة ، بل ثلاثة أصناف من المواقف يضم كل صنف منها اتجاهات متعددة تتلون في الغالب بلون الإيديولوجيات السائدة . وهكذا نجد من بين دعاة المعاصرة من يحملون إيديولوجيا ذات مضامين ليبرالية، وآخرين يبشرون بايدولوجيا اشتراكية، تطورية إصلاحية، أو ماركسية لينينية ، كما نجد فيهم صاحب النزعة القطرية الضيقة، وداعية القومية العربية ، وقد يتفقان أو يختلفان في المضمون الإيديولوجي الذي يعطيه كل منهما لدعوته : ليبرالي ، اشتراكي.. الخ.
** أما دعاة الأصالة فتوزعهم ، هم كذلك، عدة اتجاهات:

فمن سلفيين رافضين لكل نظم العصر ومؤسساته وفكره وثقافته باعتباره عصر "جاهلية" يجب تركه جملة وتفصيلاً والعودة إلى "النهج" الأصيل، إلى إسلام السلف الصالح الذي يتحدد أساساً بعصر الرسول.. إلى سلفيين معتدلين يقبلون من حضارة العصر ومؤسساته ما لا يخالف أحكام الشريعة الإسلامية أو ما يمكن تبريره داخلها ، وفي ذات الوقت يوسعون من دائرة "السلف الصالح" لتشمل كل العصور الإسلامية المزدهرة وبكيفية خاصة تلك التي كان الخليفة فيها "صالحاً" يعمل بأوامر الدين ويستشير أهل الحل والعقد الخ.. إلى سلفيين مؤولين، أقصد أولئك الذين يدعون إلى البحث في نظم الحضارة العربية الإسلامية وقيمها عن أشباه ونظائر لمؤسسات الحضارة المعاصرة وقيمها، والأخذ بها بوصفها أسماء أو صيغاً جديدة لمؤسسات وقيم عربية إسلامية "أصيلة".

أما التوفيقيون فهم أكثر تشعباً : منهم السلفي ذو الميول الليبرالية، ومنهم الليبرالي ذو الميول السلفية، ومنهم الماركسي ألأممي، والماركسي العربي، والقومي الليبرالي، والاشتراكي القومي، والسلفي العروبي، والعروبي العلماني ذو الميول السلفية، والعلماني العروبي ذو الميول الليبرالية، أو الماركسية، إلى غير ذلك من التركيبات "المزجية" التي يمكن صياغتها من الألقاب المنتثرة في الساحة السياسية والفكرية العربية.

ماذا تعنيه هذه التصنيفات المتشعبة بالنسبة لموضوعنا؟

لنلاحظ أن الأمر يتعلق في الحقيقة لا بتصنيف على مستوى واحد، بل بتصنيف على مستويات ثلاثة : هناك المستوى الذي يتحدد بالزوج الأصالة / المعاصرة، وهناك المستوى الذي يتحدد بالزوج الليبرالية/ الاشتراكية، وهناك المستوى الذي يتحدد بالزوج القطرية/ القومية. وعلى الرغم من تداخل هذه المستويات وتشابكها في الساحة الفكرية العربية، وأحياناً كثيرة في فكر الفرد العربي الواحد، فإنه من الضروري، على الأقل من الناحية المنهجية، الفصل بينها بصورة تجعل كل واحد منها ميداناً لنوع خاص من الاختيارات والإشكاليات. وهكذا فإذا كان واضحاً أن المستوى الثاني الذي يتحدد بالزوج الليبرالية/ الاشتراكية هو ميدان الاختيارات الإيديولوجية أي الاختيارات التي تعبر بصورة مباشرة عن المصالح الاجتماعية الطبقية، فإن المستوى الثالث الذي يتحدد بالزوج القطرية/ القومية هو ميدان القرار السياسي "العربي" باعتبار أنه يطرح قضية "الدولة" في الوطن العربي: هل ينبغي أن تبقى قطرية، أم أنه يجب أن تكون واحدة أو اتحادية (ونحن نضع هنا هذه المسألة على المستوى السياسي لأننا نؤمن أن قضية الوحدة العربية قضية سياسية في الدرجة الأولى، أي أنها رهينة القرار السياسي. فلو ن استفتاء حراً نزيهاً أجري في الوطن العربي من المحيط إلى الخليج حول هذه المسألة لاختارت الأغلبية الساحقة من الجماهير العربية دولة الوحدة على الدولة القطرية). أما المستوى الأول الذي يتحدد بالزوج الأصالة/ المعاصرة، وهو موضوع بحثنا، فهو في نظرنا لا ينتمي لا إلى ميدان الاختيارات الايديولوجية ولا إلى ميدان القرار السياسي، بل هو ينتمي إلى ميدان آخر هو ميدان الاشكاليات النظرية، بالمعنى الذي أعطيناه لمفهوم الإشكالية في مقدمة هذا البحث.

ومن أجل تجنب الانزلاق مع مثل هذه الطروحات المغرية، ومن أجل تحليل أعمق لمضمون وأبعاد الإشكالية التي نحن بصددها، نقترح الانطلاق من وضع الطرح السائد موضع السؤال، فنقول: هل يتعلق الأمر فعلاً بـ"اختيار"؟ هل ما زلنا، نحن العرب في وضعية تسمح لنا بـ"الاختيار" بين ام نسميه "النموذج الغربي" وما نحلم به من نموذج "أصيل" نستعيده أو نستوحيه من تراثنا الفكري الحضاري؟

أعتقد انه يجب الاعتراف بأننا لا نملك اليوم، وأكثر من ذلك أعتقد أننا لم نكن نملك منذ اصطدامنا بالنموذج الحضاري الغربي المعاصر، حرية الاختيار بين أن نأخذ به وبين أن نتركه. لقد فرض هذا النموذج نسه علينا منذ بداية التوسع الاستعماري الأوروبي، وبكيفية خاصة وحاسمة منذ القرن الماضي، فرض نفسه علينا كنموذج "عالمي"، كنموذج حضاري جديد للعالم كله يقوم على جملة من المقومات لم تكن موجودة في النماذج الحضارية السابقة له، مثل التنظيم العقلاني لشؤون الاقتصاد وأجهزة الدولة، واعتماد العلم والصناعة، والتبشير بقيمٍ جديدة تماماً، قيم الحرية والديمقراطية والعدالة الاجتماعية.. الخ. لقد فرض هذا النموذج الحضاري الجديد نفسه علينا بوسائله هو: فمن التبادل التجاري غير المتكافئ، إلى التدخل في الشؤون المحلية بذريعة الدفاع عن حقوق أقلية من الأقليات أو حماية مصالح معينة، إلى الحكم المباشر، إلى الهيمنة الاقتصادية والسيطرة الثقافية والايديولوجية. والنتيجة من كل ذلك: غرس بنيات النموذج الغربي في بلداننا، في العمران والفلاحة والصناعة والتجارة والادارة والثقافة، وربطها بالبنية الرأسمالية الأم في أوروبا. هكذا وجد العرب أنفسهم، كما وجدت الشعوب المستعمرة كلها نفسها، أمام عملية "تحديث" كولونيالي لبعض القطاعات في المجتمع، هي تلك التي تهم المستعمر أكثر من غيرها، عملية "تحديث" لم تستنبت أسسها في الداخل بل نقلت من الخارج جاهزة وغرست غرساً، بالإغراء حيناً وبالقوة حيناً آخر، في مجموعة من القطاعات التي أصبحت تشكل، بعد الاستقلال، الهياكل الأساسية للدولة الحديث في بلداننا.

هذا من جهة، ومن جهة أخرى فإذا كنا لم نختر النموذج الغربي بمحض ارادتنا فنحن بالأحرى لم نختر ما تبقى لدينا وفينا من النموذج "التراثي"، أعني الموروث من ماضينا: لم نختره لأنه إرث والانسان لا يختار إرثه كما لا يختار ماضيه وإنما يجره معه جراً وأكثر من ذلك يستمسك به ويحتمي داخله عندما يجد نفسه معرضاً لأي تهديد خارجي. وهل هناك من تهديد خارجي أكثر استفزازاً للذات وأكثر خطورة على الهوية والأصالة والخصوصية من زحف نموذج حضاري على نموذج حضاري آخر. وإذن فإلى جانب البنيات الحديثة المنقولة إلينا من الغرب، والمغروسة غرساً في قطاعات معينة من حياتنا، بقيت هناك بنيات قديمة موروثة من ماضينا تحتفظ بوجودها، وأحياناً بكامل قوتها وصلابتها، في قطاعات أخرى أو داخل القطاع الواحد مما أصبح يطلق عليه، في بعض البلدان العربية على الأقل، اسم "القطاع التقليدي"، والنتيجة إن أصبحت مجتمعاتنا، ولربما كل أقطار العالم الثالث، تعاني من ازدواجية صميمة على مختلف المستويات العمرانية والاقتصادية والاجتماعية والادارية والثقافية، ازدواجية تتمثل في وجود قطاعين، أو نمطين من الحياة الفكرية والمادية، أحدهما "عصري" مستنسخ من النموذج الغربي ومرتبط به ارتباط تبعية، وثانيهما "تقليدي" أو "أصلي" أو "أصيل" ـ ولا مشاحة في الأسماء فالمسمى واحد ـ هو استمرار للنموذ "التراثي" في صورته المتأخرة المتحجرة المتقوقعة، نجد القطاعين معاً، منفصلين أو متوازنين أو متداخلين بعض التداخل، يتنافسان ويتصادمان في حياتنا اليومية، على صعيد واقعنا الاقتصادي والاجتماعي والسياسي كما على صعيد وعينا ونمط تفكيرنا.

وإذن فالمشكل الذي يواجهنا ليس مشكل أن نختار بين أحد نموذجين ولا مشكل أن نوفق بينهما، بل إن المشكل الذي نعاني منه هو مشكل الازدواجية التي تطبع كل مرافق حياتنا المادية والفكرية، لا بل المشكلة في الحقيقة هي ازدواجية موقفنا من هذه الازدواجية: نحن نقبل هذه الازدواجية على صعيد واقعنا الاقتصادي والاجتماعي والسياسي والتعليمي فنبني مخططاتنا التنموية على أساس "تنمية" هذا الواقع المزدوج: نصرف على القطاعات "العصرية" من أجل تدعيمها وتوسيعها باسم "التحديث"، كما نصرف على القطاعات "التقليدية" من أجل الإبقاء عليها وإحياء المندثر منها، باسم "الأصالة" والحفاظ على "التقاليد"، ولكننا، وفي ذات الوقت، نرفض هذه الازدواجية على صعيد آخر: صعيد الحياة الروحية والفكرية، فريق يدعو إلى تبني القيم الفكرية العصرية التي تشكل جزءاً لا يتجزأ من النموذج الحضاري الغربي، وفريق آخر يدعو إلى التمسك بقيمنا التراثية وحدها، وفريق ثالث يلتمس وجهاً أو وجوهاً للتوفيق، الشيء الذي يعني محاولة التخفيف من وقع هذه الازدواجية على الوعي، ليس إلا.

نعم، قد تظهر بين وقت وآخر مواقف جذرية "راديكالية" ـ ولكن على صعيد الخطاب فقط ـ بعضها يدعو إلى رفض كل المظاهر الحديثة في حياتنا بل وفي العالم كله ويصفها بـ"الجاهلية" وبعضها الآخر يدعو إلى التخلي عن كل المظاهر الموروثة من ماضينا وينعتها بـ"التخلف".. غير ان مثل هذه المواقف لا تعدو أن تكون مجرد ردود أفعال غير مراقبة، ومن الخطأ الجسيم إعطاؤها أكثر مما تستحق والنظر إليها على أنها أكثر من مواقف وآراء "شاذة" تقع على هامش حركة التطور، وقد عرفتها وتعرفها جميع النماذج الحضارية بما في ذلك النموذج الأوروبي المعاصر ذاته الذي ما زالت تتردد فيه من حين لآخر أصداء لأصوات "الرفض" الشاذة المنبعثة من اليمين أو من اليسار، وهي أصوات عرفتها الحضارة العربية الاسلامية في أزهى عصورها، أصوات "النوابت" ـ حسب تعبير الفارابي ـ التي لا يخلو منها أي مجتمع مهما كان راقياً متقدماً.